القائلون بعدم الاستثناء في الإيمان وأدلتهم
وأجمع المصادر في ذلك هو كتاب: تهذيب الآثار وتفصيل معاني الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار للإمام محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير ، الإمام المعروف، وهو بتحقيق الدكتور ناصر الرشيد ، والشيخ عبد القيوم عبد رب النبي ، وهذا في الجزء الثاني منه، وقد ذكر الإمام الطبري رحمه الله تعالى هنا أسماء الأئمة القائلين بعدم الاستثناء في الإيمان من السلف في (2/185) في الأثر رقم (1486)، فسنذكرهم، ثم نعقب بذكر من يخالفهم وهم القائلون بالاستثناء. يقول الإمام محمد بن جرير رحمه الله في هذا الأثر (1486): (حدثني أحمد بن بديل قال: قال أبو معاوية : قال أصحابنا: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يثبت الإيمان، ولا يرى الاستثناء).قوله: (قال أصحابنا) يعني: جماعة من العلماء، والمهم عندنا هو ذكر الأسماء، وبعضها فيها اختلاف، لكن المقصود ذكر جملة الأسماء، ومعنى (يثبت الإيمان) أي: لا يستثني فيه، ولا يقيده، وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه هو من أكثر من ورد عنه من الصحابة القول بالاستثناء في الإيمان، فالعلماء ذكروا الاختلاف عنه، والذي يترجح لي من خلال ما قرأت ونظرت أن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه كان ممن يرى الاستثناء، ويلحظ في ذلك التزكية، وكمال الإيمان، فهو يرى أن قول الإنسان أنا مؤمن؛ هو تزكية، ولا ينبغي أن يزكي نفسه، ويرى أن ذلك أيضاً يستلزم كمال الإيمان، والشهادة لصاحبه بالجنة، وهذا ينبغي أن يتورع عنه الإنسان.ذكر الإمام الطبري هنا الأول: عبد الله بن مسعود ، والثاني: عبد الله بن عمر ، ولم أجد من ذكره مسنداً، والثالث: عبد الله بن يزيد الأنصاري ، والرابع: محمد بن الحنفية ، قال: وإبراهيم اختلف علينا فيه، وسنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى موقف إبراهيم النخعي ، وهو تلميذ عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وكذلك سنذكر إبراهيم التيمي معاصره، قال: وعمرو بن مرة ، وهو السادس، وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو السابع، وعاصم بن كليب الجرمي ، وهو الثامن، والضحاك المشرقي ، وهو التاسع، وعطاء بن أبي رباح ، وهو العاشر، وعمر بن ذر ، وهو الحادي عشر، ومقاتل بن حيان ، وهو الثاني عشر، والثالث عشر: عبد العزيز بن أبي دؤاد ، ولعل الصحيح: عبد العزيز بن أبي رواد ، وليس: ابن أبي دؤاد ، والرابع عشر: عبد الكريم ، والخامس عشر: أيوب بن عائذ ، والسادس عشر: علقمة بن مرثد ، والسابع عشر: محارب بن دثار ، وقد كان قاضي الكوفة في تلك الأيام، الثامن عشر: عبد الأعلى ، التاسع عشر: مسلم النحات ، العشرون: حماد بن أبي سليمان ، الحادي والعشرون: مسعر بن كدام ، الثاني والعشرون: أبو إسحاق الشيباني ، و زر بن حبيش ، وهو أيضاً تلميذ لـعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، فيكون الثالث والعشرون، وسعيد بن جبير ، وهو الرابع والعشرون، وطلق بن حبيب ، وهو الخامس والعشرون. يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى عن هؤلاء: (كلهم يثبتون الإيمان) أي: لا يستثنون فيه، ولا يقيدونه، بل يقول الواحد منهم: أنا مؤمن بدون قيد، ويضاف إليهم إمام عظيم، وعلم جليل جاء السند عنه أيضاً، وسنذكر ذلك من كتاب الإيمان لـأبي عبيد وغيره، وهو: معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه.والإمام الطبري رحمه الله بعد أن أورد أسماء هؤلاء خصه بالرواية عنه بذكر السند، فقال: (حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثام، قال: حدثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن سلمة بن سبرة قال: [ خطبنا معاذ فقال: أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة -وهذا جزم- والله! إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة ])، ومعاذ رضي الله تعالى عنه كان عالم الشام ، فقد كان في حمص في بلاد الشام ، فهو هنا يبشر المؤمنين ويقول لهم: (إنكم أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة) ويضيف: ([ والله! إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة ])، يعني: من تدعونه من فارس والروم، فهم أيضاً من أهل الجنة فضلاً عنكم أنتم، يقول: ([ ذلك أن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال: أحسنت رحمك الله! أحسنت غفر الله لك! ثم قرأ: (( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ))[الشورى:26]]).وسنذكر بعض الآثار المسندة عنه بالسند الأعلى من كتاب الإيمان (ص11) لـابن أبي شيبة ، وهو ضمن الرسائل الأربع التي حققها الشيخ ناصر الألباني رحمه الله، ففي (ص11/33) يقول الإمام ابن أبي شيبة: (حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن شقيق عن سلمة بن سبرة قال: [خطبنا معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة]) فقط، فعلق عليه الشيخ ناصر الألباني رحمه الله فقال: (في سنده مجهول وهو سلمة بن سبرة هذا، أورده ابن أبي حاتم برواية شقيق فقط عنه، وشقيق أدرك -كما يظهر- معاذاً ولقيه. فالأثر من طريق شقيق يكون متصلاً، لكنه من طريق شقيق عن سلمة بن سبرة فيه رجل مجهول. قال: وكذا أورده ابن حبان في الثقات : أي: من غير ذكر هذا الرجل).إذاً: فؤلاء خمسة وعشرون ويلحق بهم معاذ رضي الله عنه.